الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقال النابغة في الواحد: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: سمعت ابن عطاء يقول في قوله سبحانه: {قُلْ هُوَ الله أحد}: هو المنفرد بإيجاد المفقودات والمتحّد بأظهار الخفيّات.وقراءة العامة {أحد} بالتنوين.وقرأ الحسن ونصر بن عاصم وابن إسحاق وأبان بن عثمان وهارون بن عيسى {أحد الله} بلا تنوين طلبًا للخفة وفرارًا من التقاء الساكنين كقراءة من قرأ {عُزَيْرٌ ابن الله} [التوبة: 30] بغير تنوين.وأما قوله: {الله الصمد} فاختلفوا فيه فقال ابن عباس ومجاهد والحسن وسعيد بن جبير: الذي لا جوف له، وأما سعيد بن المسيب: الذي لا حشو له، الشعبي: الذي لا يأكل ولا يشرب، وإليه ذهب الفرضي، وقيل: يفتره ما بعده.أخبرنا محمد بن الفضل قال: أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا أحمد بن منبع ومحمود بن خراش قال: حدّثنا أبو سعد الصعالي قال: حدّثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية عن أبيّ بن كعب قال: الصمد الذي لم يلد ولم يولد، لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت وليس يرث إلا سيورث وأن الله لا يموت ولا يورث.وقال أبو وائل شفيق بن سلمة: وهو السيّد الذي قد أنتهى سؤدده، وهي رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هو السيد الذي قد كمل في جميع أنواع الشرف والسؤدد.غيره: هو السيد المقصود في الحوائج، يقول العرب: صمّدت فلانًا أصمده وأصمُده صمْدًا بسكون الميم اذا قصدته، والمصمود صمد كالقبض والنفض، ويقال: بيت مصمود ومصمّد إذا قصده الناس في حوائجهم قال طرفة: وأنشد الأئمة في الصمد: وقال قتادة: الصمد: الباقي بعد خلقه، عاصم ومعمر: هو الدائم، علي بن موسى الرضا: هو الذي أيست العقول عن الإطلاع على كيفيته، محمد بن علي الترمذي: هو الأزلي بلا عدد، والباقي بلا أمد، والقائم بلا عمد، الحسين بن الفضل: هو الأزلي بلا أبتداء، وقيل: هو الذي جلّ عن شبه المصورين وقيل: هو بمعنى نفي التجزؤ والتأليف عن ذاته، ميسرة: المصمت، ابن مسعود: الذي ليست له أحشاء، أبو إسحاق الكوفي عن عكرمة: الصمد الذي ليس فوقه أحد، وهو قول على عليه السلام.السدي: هو المقصود إليه في الرغائب المستغاث به عند المصائب، يمان: الذي لاينام، كعب الأحبار: الذي لا يكافئه من خلقه أحد. ابن كيسان: الذي لا يوصف بصفته أحد، مقاتل ابن حيان: الذي لا عيب فيه، ربيع: الذي لا تعتريه الآفات، سعيد بن جبير أيضًا: الكامل في جميع صفاته وأفعاله، الصادق: وهو الغالب الذي لا يغلب، أبو هريرة: المستغني عن كل أحد والمحتاج إليه كل أحد، مرّة الهمداني: الذي لا يبلى ولا يغنى، الحسين بن الفضل أيضًا: هو الذي يحكم ما يريد ويفعل ما يشاء لا معقّب لحكمه ولا راد لقضائه.محمد بن علي: الصمد: الذي لا تدركه الأبصار ولا تحويه الأفكار ولا تبلغه الأقطار وكل شي عنده بمقدار.ابن عطاء: الصمد: الذي لم يتبّين عليه أثر فيما أظهر، جعفر: الذي لم يعط لخلقه من معرفته الا الاسم والصفة، جنيد: الذي لم يجعل لأعدائه سبيلا الى معرفته، وقيل: هو الذي لا يدرك حقيقة نعوته وصفاته فلا يتسع له اللسان ولا يشير إليه البيان، ابن عطاء: هو المتعالي عن الكون والفساد، وقال الواسطي: الذي لا يسحر ولا يستغرق ولا تعترض عليه القواطع والغلل.وقال جعفر أيضًا: الصمد خمس حروف: فالألف دليل على أحديّته، واللام دليل على الهيته وهما مدغمان لا يظهران على اللسان ويظهران في الكتابة، فدلّ على أحديته والهيّته خفية لا يدرك بالحواس، وأنّه لا يقاس بالناس فخفاءه في اللفظ دليل على أن العقول لا تدركه ولا تحيط به علمًا، وأظهاره في الكتابة دليل على أنه يظهر على قلوب العارفين، ويبدو لأعين المحبين في دار السلام، والصاد دليل على صدقه، فوعده صدق وقوله صدق وفعله صدق ودعا عباده الى الصدق، والميم دليل على ملكه فهو الملك على الحقيقة، والدال علامة دوامه في أبديته وأزليته.{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولد وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أحد} اختلف القراء فيه، فقرأ حمزة ويعقوب ساكنة الفاء مهموزة ومثله روى العباس عن أبي عمرو وإسماعيل عن نافع.وقرأ شيبة مشبعة غير مهموزة ومثله روى حفص عن عاصم.وقرأ الآخرون مثقلًا مهموزًا وكلّها لغات صحيحة فصيحة ومعناه المثل.{أحد} أي هو واحد، وقيل: على التقديم والتأخير مجازه: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ أحد كُفُوًا}.وقال عبد خير: سأل رجل علي بن أبي طالب عليه السلام عن تفسير هذه السورة قال: قل هو الله أحد بلا تأويل عدد، الله الصمد لا يتبعض بدد، لم يلد فيكون هالكًا، ولم يولد فيكون إلهًا مُشارَكًا، ولم يكن له من خلقه كفؤًا أحد.وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي بقرأءتي قال: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا على الروذباري يقول: وجدنا أنواع الشرك ثمانية: النقص والتقلّب والكثرة والعدد وكونه علّة أو معلولًا، والأشكال والأضداد، فنفى الله تعالى عن صفته نوع الكثرة والعدد بقوله: {قُلْ هُوَ الله أحد} ونفى التنقّص والتقلّب بقوله: {الله الصمد} ونفى العلل والمعلول بقوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولد} ونفى الأشكال والأضداد بقول: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أحد} فحصلت الوحدانية البحت لذلك سمّيت سورة الإخلاص. اهـ.
والجيد هو التنوين، وكسره لالتقاء الساكنين. و{الصَّمَدُ} فعل بمعنى مفعول، من صمد إليه إذا قصده، وهو السيد المصمود إليه في الحوائج. والمعنى: هو اللّه الذي تعرفونه وتقرّون بأنه خالق السماوات والأرض وخالقكم، وهو واحد متوحد بالإلهية لا يشارك فيها، وهو الذي يصمد إليه كل مخلوق لا يستغنون عنه، وهو الغنى عنهم {لَمْ يَلِدْ} لأنه لا يجانس، حتى تكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا. وقد دل على هذا المعنى بقوله: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ ولد وَلَمْ تَكُنْلَهُ صاحِبَةٌ}. {وَلَمْ يُولد} لأنّ كل مولود محدث وجسم، وهو قديم لا أوّل لوجوده وليس يجسم ولم يكافئه أحد، أى: لم يماثله ولم يشاكله. ويجوز أن يكون من الكفاءة في النكاح، نفيا للصاحبة: سألوه أن يصفه لهم، فأوحى إليه ما يحتوى على صفاته، فقوله: {هُوَ اللَّهُ} إشارة لهم إلى من هو خالق الأشياء وفاطرها، وفي طىّ ذلك وصفه بأنه قادر عالم، لأن الخلق يستدعى القدرة والعلم، لكونه واقعا على غاية إحكام واتساق وانتظام. وفي ذلك وصفه بأنه حى سميع بصير. وقوله: {أحد} وصف بالوحدانية ونفى الشركاء. وقوله: {الصَّمَدُ} وصف بأنه ليس إلا محتاجا إليه، وإذا لم يكن إلا محتاجا إليه: فهو غنى. وفي كونه غنيا مع كونه عالما: أنه عدل غير فاعل للقبائح، لعلمه بقبح القبيح وعلمه بغناه عنه.وقوله: {لَمْ يُولد} وصف بالقدم والأولية. وقوله: {لَمْ يَلِدْ} نفى للشبه والمجانسة. وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحد} تقرير لذلك وبت للحكم به: فإن قلت: الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ولا يقدم، وقد نص سيبويه على ذلك في كتابه، فما باله مقدّما في أفصح كلام وأعربه؟ قلت هذا الكلام إنما سيق لنفى المكافأة عن ذات الباري سبحانه، وهذا المعنى مصبه ومركزه هو هذا الظرف، فكان لذلك أهم شيء وأعناه، وأحقه بالتقدم وأحراه. وقرئ: {كفؤا}، بضم الكاف والفاء. وبضم الكاف وكسرها مع سكون الفاء.فإن قلت. لم كانت هذه السورة عدل القرآن كله على قصر متنها وتقارب طرفيها؟قلت: لأمر ما يسود من يسود، وما ذاك إلا لاحتوائها على صفات اللّه تعالى وعدله وتوحيده، وكفى دليلا من اعترف بفضلها وصدق بقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيها: إنّ علم التوحيد من اللّه تعالى بمكان، وكيف لا يكون كذلك والعلم تابع للمعلوم: يشرف بشرفه، ويتضع بضعه، ومعلوم هذا العلم هو اللّه تعالى وصفاته، وما يجوز عليه وما لا يجوز، فما ظنك بشرف منزلته وجلالة محله، وإنافته على كل علم، واستيلائه على قصب السبق دونه، ومن ازدراه فلضعف علمه بمعلومه، وقلة تعظيمه له، وخلوه من خشيته، وبعده من النظر لعاقبته. اللهم احشرنا في زمرة العالمين بك العاملين لك، القائلين بعدلك وتوحيدك، الخائفين من وعيدك. وتسمى سورة الأساس لاشتمالها على أصول الدين.وروى أبىّ وأنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أسست السماوات السبع والأرضون السبع على قل هو اللّه أحد» يعنى ما خلقت إلا لتكون دلائل على توحيد اللّه ومعرفة صفاته التي نطقت بها هذه السورة. عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلا يقرأ قل هو اللّه أحد فقال: «وجبت». قيل: يا رسول اللّه وما وجبت؟ قال: «وجبت له الجنة». اهـ.
|